مشروعات تحلية ورؤية مستدامة.. جهود مصرية حثيثة لتعزيز الأمن المائي

مشروعات تحلية ورؤية مستدامة.. جهود مصرية حثيثة لتعزيز الأمن المائي

تواجه مصر تحديات كبيرة فيما يتعلق بالأمن المائي في ظل محدودية مواردها المائية الطبيعية وتزايد الطلب على المياه بسبب النمو السكاني والتوسع في الأنشطة الاقتصادية، الأمر الذي دفع الرئيس السيسي إلى التأكيد أن الدولة تعمل بشكل مكثف على زيادة كميات المياه المحلاة والمعالجة للتغلب على مشكلة الفقر المائي، ومواكبة احتياجات المجتمع.

 

الوضع المائي في مصر

تعد مصر من الدول التي تعاني من فقر مائي حاد، حيث يقل نصيب الفرد من المياه بنسبة 50% عن معدل الفقر المائي الدولي المقدر بـ1000 متر مكعب للفرد.
وفي أكتوبر الماضي، خلال اجتماع وزير الري مع مجلس أمناء الجامعة الأمريكية، أكد أن نصيب الفرد من المياه تراجع من 2000 متر مكعب سنويًا من المياه في فترة الستينات من القرن الماضى، وصولا لأقل من خط الفقر المائى أقل من 1000 متر مكعب سنوياً في التسعينيات من القرن الماضى وصولاً إلى حوالى 500 متر مكعب سنوياً في الوقت الحالي.

وبالإضافة إلى ذلك، تعتمد مصر بشكل رئيسي على نهر النيل كمصدر رئيسي للمياه العذبة، والذي يمثل حوالي 97% من مواردها المائية، ورغم أهميته، فإن تزايد الاحتياجات المائية نتيجة للنمو السكاني وزيادة الطلب على المياه من مختلف القطاعات يضع ضغطًا كبيرًا على هذا المورد المحدود.

ويؤثر الفقر المائي بشكل مباشر على مختلف جوانب الحياة في مصر، سواء على المستوى الاقتصادي أو الاجتماعي، فنقص المياه يؤدي إلى تراجع الإنتاج الزراعي الذي يُعتبر من الركائز الأساسية للاقتصاد المصري، كما يُؤثر بشكل سلبي على قطاعات الصناعة والطاقة، التي تعتمد هي الأخرى على المياه بشكل كبير، وعلاوة على ذلك، يُشكل الفقر المائي تهديدًا لصحة المواطنين، إذ تتعرض جودة المياه إلى تدهور في بعض المناطق مما يعرض حياة الأفراد لمخاطر صحية.

الجهود الحكومية لتحسين الموارد المائية

أطلقت الحكومة سلسلة من السياسات التي تهدف إلى تحسين إدارة الموارد المائية في البلاد، ومن أبرز هذه السياسات استراتيجية المياه 2037، التي تركز على ترشيد استخدام المياه وتطوير مشاريع تحلية المياه، وجاري تحديث الاستراتيجية لزيادة المدى الزمنى لها إلى عام 2050.

وتتماشى الجهود الحكومية المتعلقة بالمياه مع أهداف التنمية المستدامة (SDGs)، خاصة الهدف السادس الذي ينص على ضمان توافر المياه والصرف الصحي للجميع.

ومن خلال التوسع في مشروعات تحلية المياه، تسعى الحكومة إلى توفير مياه صالحة للشرب في المناطق التي تعاني من نقص حاد في المياه، وهو ما يعزز من تحقيق الهدف الثاني عشر المتعلق بالاستهلاك والإنتاج المسؤول.

خطة الدولة لتحسين وإدارة معالجة المياه بكفاءة

تواجه البلاد تحديات كبيرة في مجال إدارة الموارد المائية، خاصة مع تزايد الطلب على المياه بسبب النمو السكاني والظروف المناخية القاسية، ولتلبية هذه التحديات، اتخذت الحكومة عدة خطوات لتحسين إدارة المياه ومعالجة المياه بكفاءة، وفيما يلي أبرز هذه الجهود:

  1. مشروعات تحلية المياه: قامت مصر بتطوير العديد من محطات تحلية المياه على طول سواحل البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط، وخاصة في مناطق مثل العين السخنة والزعفرانة والغردقة، بجانب اهتمام الدولة بتوسيع قدرة محطات التحلية، بهدف تلبية احتياجات المناطق الحضرية والنائية.
  2. استخدام الطاقة المتجددة في معالجة المياه: تهدف مصر إلى دمج الطاقة الشمسية في عمليات تحلية المياه، بهدف تقليل تكلفة الطاقة وتحقيق الاستدامة البيئية، الأمر الذي ينعكس على توفير إمدادات مياه مستدامة في المناطق النائية.
  3. إعادة استخدام المياه المعالجة: تتبنى مصر تقنيات المعالجة ثلاثية للمياه، والتي تشمل إزالة الشوائب الكبيرة، والترشيح، والتطهير باستخدام الكلور أو الأشعة فوق البنفسجية، وهذه المياه المعالجة يتم استخدامها في الزراعة والصناعة، مما يساعد في توفير المياه للقطاعين الحيويين، بالإضافة إلى إعادة معالجة مياه الصرف الصحي لاستخدامها في الري الزراعي، مما يساهم في الحفاظ على المياه العذبة.
  4. تحسين شبكة توزيع المياه: تعمل الحكومة على تحسين شبكات توزيع المياه لتقليل الفاقد من المياه، خاصة في المناطق الريفية، ويتضمن هذا تجديد شبكات المياه المتهالكة ورفع كفاءتها لتوفير الإمدادات المائية بشكل مستدام.
  5. التوسع في السدود والخزانات: قامت مصر بإنشاء عدة سدود في مختلف أنحاء البلاد، مثل سد المنيا وسدود في محافظات الصعيد، لتخزين المياه وتوزيعها خلال فترات الجفاف، بجانب الاستفادة من المياه الجوفية من خلال حفر الخزانات الجوفية في المناطق الصحراوية لاستخدامها في الري والزراعة.
  6. البحث والابتكار في تقنيات معالجة المياه: تدعم الحكومة البحث العلمي في مجال تقنيات معالجة المياه، بما في ذلك استخدام الأغشية النانوية والترشيح المتقدم لزيادة كفاءة المعالجة، بالإضافة إلى تبني مصر سياسة دعم الابتكارات التي تسهم في استدامة الموارد المائية، مثل تكنولوجيا المياه الذكية التي تتيح المراقبة والتحكم في استهلاك المياه في الوقت الفعلي.
  7. الاستفادة من الدعم الدولي: تعمل مصر بالتعاون مع منظمات مثل البنك الدولي والوكالة اليابانية للتعاون الدولي “جايكا” لتطوير مشروعات معالجة المياه وتوسيع محطات تحلية المياه، بجانب الحصول على تمويل مشروعات معالجة المياه من خلال قروض ميسرة ومنح من دول وشركاء التنمية لتعزيز قدرة البلاد على مواجهة تحديات المياه.
  8. زيادة الوعي بأهمية المياه: تطلق الحكومة المصرية حملات توعية للمواطنين حول أهمية ترشيد استهلاك المياه، حيث تُشجع على تجنب الهدر في المياه، وتشجيع على استخدام المياه المعالجة في أنشطة غير شرب المياه، مثل الري أو الصناعات.
  9. تعزيز البحث العلمي والتعليم: تقدم مصر الدعم للجامعات ومراكز البحث العلمي لتطوير تقنيات جديدة في مجال معالجة المياه، مع التركيز على الأبحاث المتعلقة بالمياه الملوثة والتقنيات المستدامة، بالإضافة إلى توفير برامج تدريبية لتأهيل العاملين في مجال المياه، لضمان استدامة الحلول المستخدمة في معالجة المياه وإدارتها.

مشروعات تحلية المياه

في مواجهة هذا التحدي، تبذل الدولة جهودًا كبيرة في تنفيذ مشروعات تحلية المياه، حيث تعد هذه مشروعات المياه واحدة من الركائز الأساسية لاستراتيجية مصر للتعامل مع أزمة المياه.

وعلى مدار السنوات الماضية، تم إنشاء العديد من محطات تحلية المياه في مختلف أنحاء البلاد، خاصة في المناطق الساحلية والمناطق الصحراوية الجديدة، التي تعاني من نقص في مصادر المياه العذبة.

أبرز مشروعات تحلية المياه:

محطة تحلية مياه البحر في مدينة العلمين الجديدة: تعتبر واحدة من أكبر محطات تحلية المياه في مصر، حيث تبلغ طاقتها الإنتاجية نحو 150 ألف متر مكعب يوميًا.

محطات تحلية المياه في سيناء: تستهدف هذه المحطات تلبية احتياجات السكان في منطقة سيناء، التي تشهد تنمية مستدامة وزيادة في عدد السكان.

وتعتمد مصر في مشروعات تحلية المياه على تقنيات متطورة مثل التناضح العكسي والتبخير متعدد التأثير، وهي تقنيات تعتبر من الأكثر كفاءة في تحلية المياه باستخدام الطاقة.

وفي النهاية، فإن مواجهة الفقر المائي في مصر يتطلب تكاملًا بين السياسات الحكومية، الابتكارات التكنولوجية، والاستثمارات الضخمة في البنية التحتية للمياه، وتتطلب هذه الجهود استمرار التعاون مع المجتمع الدولي وتبني تقنيات حديثة في تحلية ومعالجة المياه لتحقيق الاستدامة المائية في المستقبل.

شارك الخبر

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة