أسس وآليات المدن المستدامة

أسس وآليات المدن المستدامة
27 / 06 / 2019
بقلم د. صلاح الحجار رئيس الجمعية المصرية للمبانى والمدن المستدامة -

يعيش اليوم أكثر من نصف سكان العالم فى المناطق الحضرية وسيرتفع هذا الرقم إلى ثلثى البشر بحلول عام 2050 . لذا لا يمكن تحقيق التنمية المستدامة دون أحداث تغير كبير فى تصميم وبناء وإدارة هذه المجتمعات. وتسجل المنطقة العربية تحولا حضريا سريعا بمعدل 2.5 % (تقديرات 2015). واليوم يعيش أكثر من نصف السكان العرب (57%) فى المناطق الحضرية فى المتوسط،. وعبر المنطقة العربية يعيش نحو 28% من جميع سكان الحضر فى أحياء فقيرة أو مستوطنات غير رسمية (عشوائيات), وفى أقل البلدان نموا فى المنطقة يعيش ما يقرب من ثلثى سكان الحضر فى أحياء فقيرة.

وكثيرا ما يتركز الفقر فى بعض المناطق الحضرية ، حيث يهاجر العديد من الناس من المناطق القروية والنائية بحثا عن فرصة عمل. وتكافح الحكومات من أجل أستيعاب أعداد السكان المتزايدة فى تلك المناطق . ويتطلب ذلك مجهود كبير من الدولة من أجل جعل هذه المدن آمنة ومستدامة وتحسين بيئة الأحياء الفقيرة والمستوطنات غير الرسمية وخلق مساحات عامة خضراء.
لذا يؤدّي النمو السريع للمناطق الحضرية في العالم النامي إلى مطالب هائلة على النظم الغذائية (كميتها ونوعيتها) .

وكذلك توسع المدن في أرض خصبة تزيد من الاحتياجات الغذائية للأسر الحضرية التي تتنافس على الموارد الطبيعية مثل الأرض والمياه والطاقة.

وهذا يؤثر على تقلّب أسعار المواد الغذائية على المستهلكين في المناطق الحضرية تأثيراً أكبر إذ إنهم يكادون يعتمدون حصريا على شراء الأغذية وليس أنتاج المواد الغذائية. والحل الأمثل لحل هذه المشكلة المعقدة هو اننا نلجأ الى المدن والمجتمعات المستدامة بكامل معانيها وأتجاهتها.

المدن أو المجتمعات المستدامة أو المجتمعات صديقة البيئية هي تلك المجتمعات التى صممت ونفذت على أساس مراعاة البعد البيئي والأجتماعى والأقتصادى مجتمعين معا ، والتي يقطنها أفراد على وعى كافى بالمبادىء الأساسية للتنمية المستدامة أو على أستعداد للتعرف على مبادىء واسس واليات التنمية المستدامة محاولين جاهدا لتقليل المدخلات المطلوبة من أستهلاك الطاقة والمياه والمواد الخام والمواد الغذائية، وكذلك تقليل الأنبعاثات المسببة للتغيرات المناخية والملوثات الهوائية والمخلفات بجميع أنواعها الصلبة والسائلة.

ويعتبر مجال علم البيئة الصناعية أو الإيكولوجيا الصناعية Industrial Ecology هو الأساس فى المدن المستدامة والذى يعتبره الجميع علم التنمية المستدامة ويستخدم في التخطيط والتصميم لهذه المجتمعات المستدامة والذى تم توضيحه بأسهاب فى المرجع رقم (1).

ولا يزال هناك عدم أتفاق على تعريف موحد للمجتمعات المستدامة بشكل عام، ويتفق جميع الخبراء على أن التنمية المستدامة يجب أن تلبي احتياجات الحاضر دون التضحية بقدرة الأجيال المقبلة على تلبية احتياجاتها الخاصة. ولكن الغموض في فكرة المدن المستدامة يؤدي إلى قدر كبير من التباين من حيث كيفية تنفيذ المدن ومحاولاتهم لتصبح مستدامة. ومع ذلك، فالبعض يرى أن المدينة المستدامة ينبغي ان تكون قادرة على إطعام نفسها بغذاء آمن وصحى خالى من المبيدات الكيميائية مع عدم أستخدام الأسمدة الكيماوية مع اعتماد ضئيل على المناطق الريفية المحيطة بها.

جوهر هذا ينحصر فى خلق أقل بصمة للأيكولوجيا الصناعية، وإنتاج أقل كمية ممكنه من التلوث والتى يجب أن تقل بكثير عن الحدود المسموح بها ،وكذلك الاستخدام الأمثل للأراضي بكفاءة ، وأستخدام أسمدة عضوية ومبيدات عضوية ، وتدوير المخلفات للأستفادة منها ، وبالتالي المساهمة الشاملة للمدينة في التغيرات المناخية سيكون في الحد الأدنى.

وتشير التقديرات إلى أن أكثر من 50٪ من سكان العالم يعيشون الآن في المدن والمناطق الحضرية.هذه المجتمعات الكبيرة على حد سواء توفر التحديات والفرص لمطوري الوعي البيئي التنموى، وهناك مزايا واضحة لزيادة تحديد والعمل على تحقيق أهداف المدن المستدامة، وخاصة أن أحد وأهم أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر والتى نشرت بواسطة منظمة الأمم المتحدة فى سبتمبر 2015 يتعلق بالمدن المستدامة نظرا لأهميتها الشديدة ليس فقط فى الحفاظ على الموارد الطبيعية ولكن أيضا لثوفير المياه والطاقة.

ولقد أصدرت الجمعية المصرية للمبانى الخضراء (NGO) المواصفة المصرية للمجتمعات المستدامة Tarsheed-Community والتى تعتبر واحدة من أفضل المواصفات العالمية للمجتمعات المستدامة وتعتمد هذه المواصفة على مبدأ من المهد الى المهد حيث تصل نسبة الوفر فى المياه الى أكثر من 50% والوفر فى الطاقة الى أكثر من 40% وكثيرا من الوفرات فى المواد الخام المستخدمة علاوة على المعيشة فى بيئة صحية ونظيفة وكذلك توفير فرص عمل خضراء وكل هذا ينصب تحت مسمى الأقتصاد الأخضر بطريقة تطبيقية وعملية.

إن البشر مخلوقات اجتماعية وتزدهر أنشطتهم في الأماكن الحضرية التي تعزز الروابط الاجتماعية من خلال النشاطات والتفاعلات بين أفراد المجتمع والتى تحدث بطريقة فعالة داخل المجتمعات المستدامة. بسبب هذا، فإن التحول إلى المناطق الحضرية ،الأكثر كثافة توفر متنفسا مستداما للتفاعل المجتمعى والظروف التي يمكن للإنسان ان يزدهر من خلالها بأيجابية.

فالعنصر المجتمعى يعتبر من الدعائم الأساسية للتنمية المستدامة وهذا ما يوضحة أحد وأحدث الأصدارات للمدن المستدامة (مرجع (2)) والذى يعتمد على مبدأ من المهد الى المهد والذى يعتبر المؤشر الرئيسى لأستدامة الموارد الطبيعية.

وهناك اعتقاد شائع يقول أن النظم الحضرية أكثر استدامة بيئيا وأجتماعيا وأقتصاديا من المعيشة في المناطق القروية أو في الضواحي مع الناس والموارد الموجودة على مقربة من بعضها البعض حيث أنة من الممكن توفير الطاقة والموارد الطبيعية والأشياء الأخرى مثل نقل المواد الغذائية وأنظمة النقل الجماعي. ولكن هذا الأعتقاد غير صحيح لأن أى مجتمع يمكن أن يتحول الى مجتمع مستدام أذا ما توفرت الموارد البشرية وليست الموارد المالية لأن التنمية المستدامة لا تحتاج الى كثير من المال ولكن تحتاج الى كثير من الجهد المتواصل وهذا ما يوضحة المرجع الثالث (3).

أخيرا، المدن المستدامة تعود بالنفع على الاقتصاد القومى وهو ما يسمى بالأقتصاد الأخضر أو الأقتصاد المستدام وهذا لا يحتاج الى موارد مالية على الأطلاق ولكن يحتاج الى موارد بشرية قادرة على تطبيق مبادىء التنمية المستدامة والتى لا يزال العالم كلة يدرسها فى المعاهد والجامعات حتى يومنا هذا. وتعتبر كوريا الجنوبية هى الدولة الوحيدة التى أستطاعت تنفيذ العديد من مبادرات الأقتصاد الأخضر وحاولت نشر هذا الفكر من خلال البنك الدولى نظرا للقناعة الكاملة بهذه المنهاجية والفوائد التى عادت على الدولة ، فهى تعمل دون صوت وهذا هو سر النجاح. لذلك أستطيع القول أنة من خلال المجتمعات المستدامة أيا كانت حضرية أو قروية أو صناعية أو سياحية … فأن تحديد موقع رأس المال البشري في منطقة واحدة جغرافية صغيرة نسبيا حيث يمكن توليد العديد من الأفكار التنموية والقابلة للتطبيق والأنتشار الى المجتمعات الأخرى المجاورة .

وفى النهاية أحب أن أؤكد ان التحول الى مجتمعات مستدامة لا يحتاج الى موارد مالية على الأطلاق بل على العكس سيعود بموارد مالية على الدولة بطريقة مباشرة (عائد مادى) أو غير مباشرة (عائد صحى وتعليمى) ولكن يحتاج هذا التحول الى موارد بشرية قادرة على تنفيذ الأهداف السبعة عشر للتنمية المستدامة والتى صدرت من منظمة الأمم المتحدة فى سبتمبر 2015.

شارك الخبر

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة