الدكتور عادل عامر يكتب.. فلسفة التشريعات الاقتصادية ودورها في تحقيق أهداف التنمية المستدامة

الدكتور عادل عامر يكتب.. فلسفة التشريعات الاقتصادية ودورها في تحقيق أهداف التنمية المستدامة
بقلم دينا محمد -

إن التطورات الاقتصادية والاجتماعية المتوالية تخلف حتما أعباء على الدول من جوانب مختلفة يلزم أن تكون الدولة مواكبة لها ومتطورة بتطورها، فتلجأ إلى التماس الحلول لمجابهة تلك التطورات والمستجدات بما يجلب لها منافعها ويدفع عنها مضارها، وقد يكون المجال التشريعي الملاذ الأمثل لتحقيق ذلك؛ ذلك أنه مما لا ريب فيه أن للتشريع دورًا فعالًا في تحقيق التنمية اقتصادية كانت أم اجتماعية، فالتشريع وسيلة ضرورية وهامة من الوسائل المتعددة لتحقيق التنمية بشتى ضروبها بوصفه أهم وسائل الضبط الاجتماعي والإصلاح الاقتصادي التي تتكفل بحماية مصالح المجتمع الأساسية سياسية كانت أم اقتصادية أم اجتماعية لإحداث التوازن المنشود بين المصالح العامة والخاصة بما يضمن سلامة المجتمع وتحقيق أمنه واستقراره، وكفالة تطوره المستمر، ونقطة البدء في ذلك أن لكل دولة أهداف وسياسات معينة ترنو إلى تحقيقها، وتتولى الدولة تنفيذ سياساتها عن طريق ما تسنه من قوانين أو تشريعات جديدة، أو تعّدل من التشريعات القائمة لتواكب تلك التطورات الاجتماعية والاقتصادية.

وإنه لمن نافلة القول؛ وعلى الأخص في عصر الثورة العلمية والتكنولوجية والتطور الاقتصادي والاجتماعي المتسارع أن يواكب التشريع مستجدات التنمية ومتطلبات العصر كي يستوعب مفاهيم وعناصر وأبعاد تلك المستجدات بإعتبار أن التشريع انعكاس لواقع المجتمع، وأن ما يصلح في زمن قد لا يصلح لزمن آخر، حيث أن التشريع ومرونته وسرعة تعديله إنما يعكس حيوية الدولة ومرونة تعديل تشريعاتها بما يواكب التطورات الاقتصادية والاجتماعية المتسارعة، وأن عدم مجابهة التشريع وعدم مسايرته للتطورات التي تحدث في الدولة اقتصاديًا واجتماعيًا إنما يخلق فجوة عميقة بين نصوص التشريع القائم والواقع العملي الذي تعيشه الدولة الأمر الذي يعد بلا ريب إحدى عيوب التشريع. كما يجدر التنويه إلى أن دور التشريع الهام في تحقيق التنمية لا يعني أن هناك قالب ثابت للتشريع وتحقيقه للتنمية الاجتماعية والاقتصادية،

حيث أن التشريع يجب أن يراعي في تحقيقه للتنمية الاجتماعية والاقتصادية الظروف المحلية التي تمر بها الدولة والواقع اليومي الذي تعيشه، فلا يصلح اقتباس التشريعات المقارنة التي قد تنجح في دولة محددة ولا تنجح في حال تطبيقها على دولة أخرى لاختلاف الظروف الاجتماعية والاقتصادية في كلتا الدولتين.

هذا من جهة ومن أخرى، تمثل التنمية المستدامة، فرصة جديدة لنوعيّة النمو الاقتصادي وكيفيّة توزيع منافعه على طبقات المجتمع كافة، وليس مجرّد عمليّة توسع اقتصادي، لا تمنع من ازدياد الفوارق بين مداخيل الأفراد والجماعات، إن بين دول الشمال والجنوب أو داخل الدول النامية نفسها. التنمية المستدامة تفرض نفسها كمفهوم عملي للمشاكل المتعدّدة التي تتحدّى البشرية. إنها تسمح بتقييم المخاطر ونشر الوعي وتوجيه العمل السياسي على المستويات المحلّية والإقليميّة والدولية”. ونظرًا إلى الترابط القوي بين الأمن الإنساني والتنمية، ومن أجل جعل الحق بالتنمية البشرية حقيقة واقعة لكل البشر بصورة مستدامة آنيًا ومستقبليًا، تمنى رجل الاقتصاد الهندي أمارتيا صن على المؤسسات الدوليّة والمجلس الاقتصادي الاجتماعي اعتماد مؤشر جديد للتنمية، يأخذ في طياته حقوق الإنسان الاجتماعية والصحيّة والبيئيّة إضافةً إلى البعد الاقتصادي. وذلك من خلال القضاء على الفقر، تعزيز الديمقراطيّة، مكافحة المجاعات والأزمات والصراعات، التأكيد على فعالية المرأة، التغيير الاجتماعي، تشجيع الثقافة والدفاع عن حقوق الإنسان.

وأيضًا من خلال تحسين سبل الحصول على الخدمات الاجتماعية والأغذية والرعاية الصحيّة الإنسانية والتعليم، وتعزيز المساواة بين الجنسين، وتمكين المرأة، وتسيير الحكم الرشيد، وتوسيع قدرة الحصول على تكنولوجيا المعلومات والاتصال، والعقاقير لمكافـحة مرض الإيدز

كما أن ينبغي الاخذ بعين الاعتبار عند استخدام التشريع لتحقيق أهداف التنمية الاجتماعية أن يتم ذلك من بعد دراسة متأنية لواقع المجتمع والظروف الاجتماعية السائدة فيه والقيم والعادات والتقاليد المترسخة، بحيث يكون التشريع مصلحًا لبعض الممارسات الاجتماعية السائدة، وحافظًا على القيم والمبادئ المترسخة في المجتمع، حتى لا يحدث تصادم بين التشريع والظروف الاجتماعية السائدة، حيث أن الواقع العملي في كثير من الحالات يثبت ميول الأفراد على التمسك بالقيم والمبادئ المترسخة، وإن كانت تتعارض مع تشريعات صدرت مؤخرًا الأمر الذي يلقي على عاتق القائمين على التشريع استعانتهم في الجوانب الموضوعية للتشريعات الاجتماعية بالمختصين في المجالات الاجتماعية سواء كان ذلك من خلال الجهات الحكومية المختصة أو من قبل منظمات المجتمع المدني والأفراد.

وسيرًا على ذات النسق، فإن التشريع باعتباره من أهم وسائل تحقيق التنمية الاقتصادية ينبغي أن يأخذ بعين الاعتبار المبادئ الاقتصادية التي تبنتها الدولة في دستورها أو نظامها الأساسي، علاوة على دراسة واقع الدولة من الناحية الاقتصادية وإمكانياتها المادية والبشرية التي تعد حجر الأساس للتنمية الاقتصادية والتي يتعين على التشريع مراعاتها وعدم الانجراف وراء بعض التجارب الناجحة لبعض الدول المتقدمة اقتصاديًا، فتجد الدولة نفسها أمام تشريعات عاجزة عن توفير الامكانات المادية والبشرية لتطبيقها على أرض الواقع، حيث أن عدد كبير من التشريعات يكون متطورًا بشكل سابق على تطور المجتمع وإمكانياته المادية والبشرية مما يجعل الجهات القائمة على تنفيذه عاجزة عن تطبيقه على أرض الواقع لعدم توافر المقومات المادية والبشرية لتطبيقه.

كما أنه ينبغي لتحقيق التشريع لأهدافه في تحقيق التنمية بشتى  أنواعها وصورها، أن يستتبع التشريع بعد سنه ووضعه موضع التطبيق وجود إرادة سياسية حقيقية على تطبيقه  على أرض الواقع وإنفاذ أحكامه بما يتوافق مع الأهداف المتوخاة منه، حيث يظل التشريع في كثير من الأحيان قائم من الناحية القانونية في المجتمع دون أن يمتد أثره على الواقع العملي، لعدم وجود إرادة ورغبة من قبل الجهات القائمة على تنفيذه على تطبيقه، الأمر الذي يدعو في كثير من الأحيان للقول بأن التشريع في عدد من الدول بعيد عن الواقع العملي المرير الذي تعاني منه وترزح تحت وطأته.

ومما تجدر الإشارة إليه -في هذا الصدد- أنه ينبغي عند إجراء التنمية الاقتصادية أو الاجتماعية مراعاة قواعد المساواة والعدالة بين أفراد المجتمع، وتنظيم ذلك بموجب نصوص آمرة في التشريعات المصاحبة للتنمية صونا للحقوق واستتبابا للأمن، وإزالة جميع العوائق المؤسسية من طريق التنمية، وصولا إلى تنمية اقتصادية واجتماعية شاملة، حتى لا تقتصر التنمية على أفراد من المجتمع دون الآخرين أو على مناطق محددة دون الأخرى، إذ أن في ذلك انحراف في  تحقيق أهداف التنمية الاجتماعية والاقتصادية التي  ينبغي أن تبنى على قواعد المساواة والعدالة بين أفراد المجتمع.

ومما تجدر الإشارة إليه في هذا الصدد أنه ولئن كان للتشريع دور لا يمكن إنكاره في المساهمة في تحقيق التنمية بكافة ضروبها، إلا أنه ليس كل شيء؛ إذ لا يعمل به في معزل عن الظروف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والأمنية، فلا بد أن تتضافر هذه الظروف مجتمعة لكي يتسنى العمل بأحكام التشريع، وتتحقق الأهداف التي من أجلها تم إصداره، وإلا أصبح التشريع معطلا غير منفذ.

وفي السياق ذاته فلا يكفي أن يكون في الدولة نظام قانوني شامل ومحكم من أجل تحقيق تنمية مستدامة، بل يجب أن يكون هناك تنفيذ أمين لأحكام القانون وقضاء عادلا   يجب أن تتسم إجراءاته بالسرعة ومنظومته بالتطوير، وبالأخص ولوجه النظام الإلكتروني في كافة مراحل الدعوى وتأهيل كوادره، والنظر في شروط ومعايير الالتحاق بالقضاء، وخضوع القاضي لنظام تفتيش صارم، وأخذه بنهج القضاء المتخصص،

بما من شأنه تحقيق عدالة منجزة وبما يحفظ للدولة والقضاء – على حد سواء – الهيبة والإذعان، حيث أن من أهم مقومات التنمية الاجتماعية والاقتصادية في أي مجتمع وجود نظام قضائي يؤدي إلى  الحفاظ على الحقوق الاجتماعية والاقتصادية ويؤدي إلى شيوع الأمن والاستقرار لدى المواطنين والأفراد المقيمين والمستثمرين  في حفظ حقوقهم وعدم التعدي على حرياتهم، وبخلاف ذلك فإن أي قصور في المنظومة القضائية من الناحية التشريعية أو الواقعية من شأنها إهدار جميع التشريعات المتطورة التي تهدف للنهوض بالمجتمع وتحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية.

كما ننوه إلى أهمية إلى أنه حتى يتحقق دور التشريع في مجالات التنمية بشكل أكمل فلا بد من العمل بمبادئ الحوكمة في القطاع العام دونما إفراط أو تفريط. فإن تعزيز دور التشريع في تحقيق التنمية يستلزم كذلك تهيئة بيئة سياسية حكيمة مستقرة تدعم الجهود الحكومية وسياساتها الرامية إلى تحقيق تنمية مستدامة، تعديل النصوص التشريعية التي تقف حجر عثرة أمام تحقيق التنمية، فالتشريع ينبغي أن يتسم بالمرونة وسرعة الإجراءات حتى يستطيع مواكبة العملية التنموية، الأمر الذي يتطلب إعادة النظر في إجراءات سن التشريع متى ثبت عدم تحقيقها للمرونة والسرعة الكافية، تجنب التوسع في السلطة التقديرية وعدم فتح الباب أمام الاستثناءات في التشريعات ذات الصلة بالنشاط الاقتصادي، وأن تكون إجراءات ممارسة الأنشطة الاقتصادية والاستثمار واضحة لا تحمل اللبس أو التأويل، توحيد التشريعات ذات الصلة بالاستثمار وعدم تعدد الجهات القائمة على تطبيق القوانين ذات الصلة بالاستثمار، إشراك المجتمع من خلال ممثليه أو منظمات المجتمع المدني وأخذ مشورتهم في التشريعات الاجتماعية، وضع التشريعات التي تحد من هجرة الكفاءات الوطنية ورؤوس الأموال واستقطاب الاستثمارات الأجنبية، الأمر الذي من شأنه أن يعزز دورها في التنمية، ووضع التشريعات التي تعين على الاستفادة من الأيادي العاملة الوطنية المتزايدة ومحاربة ظاهرة البطالة والفقر، وتلبية متطلبات ذوي الاحتياجات الخاصة، تلك التي تحقق مستوى معيشيا آمنا بعد ترك العمل.

ويشير البعد الاقتصادي إلى أن قطاع الأعمال عليه الالتزام بأن يكون منتجا، ومربحا، ويلبي الحاجات الاستهلاكية للمجتمع، ويعتمد نمط المسؤولية الاقتصادية على وجهة النظر التي تركز فيها المنظمات على هدف تعظيم الربح، وان المساهمات الاجتماعية لا تعدو عن كونها نواتج عرضية للبعد الاقتصادي وهي الخصم من الوعاء الضريبي للمؤسسة.

فالمسؤولية الاجتماعية ببعدها الاقتصادي تتمثل أولا بتحقيق الربح الذي يمكن المنظمة من تغطية التكاليف المستقبلية، فإن لم تتمكن من تغطية التكاليف من خلال تحقيق الأرباح فإنها لن تتمكن من تلبية أي مسؤولية اجتماعية أخرى.

ويعبر البعد الاجتماعي للمسؤولية الاجتماعية عن مجموعة المعايير الأخلاقية والقيم الاجتماعية السائدة في المجتمع عن طريق احترام العادات والتقاليد ومراعاة الجوانب الأخلاقية في الاستهلاك، لهذا يتم التركيز على المنتجات والخدمات المقدمة بما يتوافق ونوعية الحياة في المجتمع، كما يتم التركيز على تقديم الحاجات الأساسية في المجتمع يعبر البعد القانوني عن التزام المؤسسات بالقوانين، والتشريعات، والأنظمة التي تسنها الدولة التي تعد بمثابة تشجيع،

والتزام المنظمات بأن تنتهج سلوك مسؤول، ومقبول في أنشطتها، ومخرجاتها المقدمة للمجتمع، وان لا ينتج عنها أي ضرر، ولا ينعكس هذا السلوك على حدود علاقة المنظمة مع المجتمع فقط، بل يعمل على حماية المنظمات بعضها من بعض من جراء أساليب المنافسة غير العادلة التي قد تحصل.

وتتضمن المسؤولية الاجتماعية عدة عناصر ببعدها القانوني، منها قوانين حماية المستهلك من الغش، وتشمل أيضا حماية البيئة من التلوث، ومنع الاستخدام غير المنظم للموارد، والتخلص من النفايات، … الخ

شارك الخبر

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة