وظائف تنموية تطفو على السطح وآخرى تندثر بفعل التكنولوجيا المتطورة

17 / 10 / 2019

• أخبار
• الاقتصاد الأخضر
• دراسة حالة

عادة ما يذهب الخيال بالناس بعيدا وهم يفكرون في تأثير التكنولوجيا على الوظائف في المستقبل ، فتقفز عقولهم إلى سيناريوهات الخيال العلمي المبالغ فيها، كتصور تولي الروبوتات المناصب الإدارية العليا، أومحاولة تلك الروبوتات إفناء الجنس البشري وتشريده ، لكننا كثيرا ما نغفل الحقائق وأن الإنسان هو المحرك دوما لكافة عمليات التطور التكنولوجي، وأنه لا غني عن العنصر البشرى وأنه هو العنصر الأساسي في تسخير التكنولوجيا لخدمة العالم وجعلها صالحة للاستخدام.

كشفت عدد من الدراسات العلمية خلال الفترة الماضية أن كثيرا من الوظائف القائمة الحالية على وشك الإنقراض والاختفاء في المستقبل ، وذلك لسيطرة الأتمتة والميكنة على الوضع الوظيفي الراهن، وتزداد التساؤلات في عالمنا اليوم ،هل من المتوقع أن تحتل الروبوتات وما شابهها محل الملايين من البشر في المستقبل، أم من المتحمل أن يتم اكتشاف أدوارا جديدة لهم؟!

وأوضحت الدراسات أن التكنولوجيا الحديثة ستحدث طفرة وستخلق وظائف أكثر من الوظائف التى ستقضي عليها بشكل مباشر، ووفقا للتقارير لشركة “ماكنزى”، إن ثلث الوظائف الجديدة التى نشأت في الولايات المتحدة خلال الربع قرن الماضي لم تكن موجودة من قبل في مجالات تتضمن تطوير تكنولوجيا المعلومات، وتصنيع الأجهزة، وإنشاء تطبيقات، وإدارة نظم تكنولوجيا المعلومات.

وأشارت التوقعات من قبل مجموعة من الخبراء أن الإدعاءات بأن الروبوتات ستسيطر تماما على المشهد المستقبلي هي مجرد أوهام لا أساس لها من الصحة وذلك لصعوبة استيعاب الأتمتة الوظائف التي تنطوى على التفكير الإبداعي، مؤكدين أنه لا غني عن العنصر البشرى مهما تقدمت التكنولوجيا وازدادت الاكتشافات الحديثة.

ونشرت مؤسسة استشراف المستقبل بأبو ظبي، تقريرا مفصلا عن الوظائف الأكثر شيوعا في الفترة الزمنية الماضية قبل عام 2020 في دولة الإمارات العربية المتحدة والتى بلغ عددهم إلى خمسين ومن بينهم موظفو مبيعات التجزئة، والمهندس والطبيب، ممثلو خدمة العملاء، ومدير المبيعات، وفني التكييف، مدير التسويق، ومصمم مواقع، أخصائى التغذية …إلخ.

وتوقعت المؤسسة مجموعة من الوظائف الرئيسية المسيطرة على سوق الأعمال لبعض القطاعات والتخصصات المهنية والتى ستظهر للنور خلال عام 2040، ولتفتح آفاق جديدة وواعدة في عالم الأعمال.

وتترأس هذه الوظائف المهن المرتبطة بالروبوتات، وذلك لما يتمتع به من قدرة هائلة على إحداث تحولات كبيرة تتفوق بها على جميع التقنيات السابقة ومنها الانترنت وسيزداد الحاجة إلى كل من متخصصين صيانة الروبوتات، ومراقبتهم، تقنيو تشغيل الروبوتات، ومبرمجو الروبوبات، استشاريون في مراعاة أخلاقيات بناء الروبوتات ووكلاء السفر ومنظمو عروض وفعاليات للروبوتات.

ومنحت التكنولوجيا الرائدة فرصا كثيرة لعصر البيانات الضخمة التي كان لها دور كبير في تغيير كيفية علاج الأطباء للأمراض وتوقع موظفو الإغاثة  للكوارث الطبيعية واستجابتهم لها مما أعطى مؤشرات إيجابية وانعكاسات تؤثر على سعادة أفراد المجتمع،   وذلك من المتوقع أن تشهد الفترة القادمة تمكين لعلماء البيانات، ومحققين في مجال البيانات، ومحللي البيانات وأخصائيين في الجانب القيمي أو الأخلاقي لحفط البيانات واستخدامها.

ويعد جيتكس للتقنية نقطة انطلاق نحو عصرٍ رقمي واعد وجديد ، مدعوما باندماج قدرات الـجيل الخامس مع التقنيات الرقمية المتطورة الأخرى مثل إنترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي، وهو الأمر الذي يسهم في انبثاق مرحلة جديدة من الوظائف الابتكارية بعيدا عن الأنماط التقليدية بقالبها المصبوب.

رسم خارطة المستقبل للوظائف الرقمية الجديدة مستندة على خدمات الجيل الخامس عبر تقديم العديد من التكنولوجيات المتطورة والروبوتات المتطورة والواقع الافتراضي والواقع المعزز وإنترنت الأشياء.

ومن ضمن الوظائف في هذا المضمار هناك فكرة سيارة الإسعاف المتصلة بشبكة الجيل الخامس وتقوم السيارة ـ والتي هي في الأغلب ذاتية القيادة ـ بإرسال البيانات الحيوية إلى المستشفى بهدف اعداد الأطقم الطبية في أقسام الطوارئ الطبية لاستقبال المريض قبل وصوله.

وفي مجال تقنية الإنسان الآلي (الروبوت)، هناك العديد من النماذج تم تقديمها للعالم لتحل محل وظائف يؤديها الإنسان اتسمت بالصفة المجتمعية أو الصعوبةأو المهام الشاقة ، ومن بين ذلك  “الروبوتات الاجتماعية” ، ومن ضمنها الروبوت “فورهات” وهو أكثر الروبوتات الاجتماعية تطورا في العالم، حيث يستخدم تقنيات ثورية جديدة تمكنه من التفاعل والتخاطب مع الناس وأن يكون رفيقا اجتماعيا للبشر ، وهذا قد ينهي من وظائف عدة في المجال الطبي النفسي أو العصبي.

وهناك روبوت متعدد المهام يأتي في شكل حقيبة تحمل على الظهر وبه ذراعين تساعد الأشخاص على أداء مهامهم ، وقامت بتطويره أكثر جامعة بحثية متطورة في اليابان وهي جامعة كيو، وهي روبوتات تساعد في العمليات اللوجستية التجارية مثل الجرد والتخزين.

وكذلك روبوت تم تصميمه خصيصا للقطاع الصناعي لأغراض تأدية المهام المتحركة في المصانع وأماكن العمل، من المناولة، والتحميل، والتنزيل، والتجميع وغيرها ، وروبوت عبارة عن منظومة رباعية الأرجل مصممة للعمليات ذاتية التشغيل في البيئات الوعرة ، وروبوت لتوصيل الطلبات.

وفيما يتعلق بالجانب الطبي، من المحتمل أن نعيش الفترة المقبلة في عالم يخلو من المستشفيات بشكلها ومفهومها التقليدى نظرا للتطورات المذهلة التي يتم تحقيقها في مجال الطب التجددي وتعديل الجينات بتقنية “كريسبر” مايعني تمكين التكنولوجيا من التحكم في البيولوجيا البشرية على نحو يجعلنا نعيش حياة أفضل مما سبق ، وعلاوة على ذلك أن للذكاء الاصطناعي دورا كبيرا في تغيير طبيعة فهمنا للأمراض وطريقة فحص الجسم، بالإضافة إلى تحقيق اللامركزية كثيرا في الرعاية الصحية عبر الروبوتات الطبية الزائرة والتي تسهم في من خلال أجهزة التصوير الخاصة بها في تشخيص الأمراض بسهولة ولا يمكن الاستبعاد أن يسيطر الروبوتات وأنظمة الذكاء الاصطناعي على عديد من الوظائف الخاصة بقطاع الرعاية الصحية وفي المقابل ظهر العديد من الوظائف التى تخدم التطورات الهائلة التى يشهدها ذلك القطاع ومن أبرزها مختصون في مجال مكافحة الشيخوخة، مختصون في تعزيز الصحة العقلية، منظمو الجينات، وأخصائيون في مجال التحفيز العصبي للدماغ.

وعلى المستوى التعليمي، لاشك أن الروبوتات ستستخدم كوسيلة فعالة للتعليم في مدارسنا الذكية حيث أصبح بمقدور المعلم أن يترك التلميذ بمفرده، وأصبح التوجه نحو كون الآلات الذكية قادرة على التكيف بدرجة عالية مع أساليب تعليم الأطفال المتعددة، بالإضافة إلى قدرتها على قراءة التعبيرات الوجهية للتلاميذ وتزويدهم بالتعذية الراجعة المثلي وفقا لاحتياجاتهم وبما يحقق الأهداف التعليمية الموضوعة لكل طالب على حدة مما يمكن التلاميذ من تعلم مواد جديدة بحسب قدراتهم وليس كجزء إجبارى ضمن الصف الدراسي، مما يخلق عدد كبير من الوظائف التى تختص بإعداد وتجهيز البنية التحتية تلك المنظومة التعليمية وذلك وفقا لأبعاد متعددة: تقنية ونفسية وتربوية وفنية ومن أبرزها: مطورو برامج تدريسية معتمدة على الذكاء الاصطناعي، فنيون لتصليح أنظمة التدريس الذكية المعتمدة على الذكاء الاصطناعي وصيانتها، مصصمو واجهات تفاعلية لأنظمة التدريس المعتمدة على الذكاء الاصطناعي، مطورو مهارات شخصية معززة بالذكاء الاصطناعي، ومطورو عمليات التعليم الذكية.

وعلى المستوى الصحي، شيوع اللحوم المزروعة مخبريا التي تمثل حلا للأضرار البيئية الناتجة عن الزراعة الحيوانية، والتى تبرهن يوما بعد يوم أنها صديقة للبيئة وصحية في الوقت ذاته بالإضافة إلى انخفاض تكلفتها انخفاضا كبيرا خلال الأعوام القليلة الماضية، مما مكنها من تحقيق نجاحات إيجابية في منافستها للحوم الحقيقة وإحداث سلسلة من  التغيرات الكبيرة في سوق الأغذية العالمية والبيئة مما فتح الباب للعديد من الاستثمارات الجديدة في تلك التكنولوجيا الحديثة من أجل تحقيق مكاسب اقتصادية كبيرة مما تتيح بظهور التخصصات الجديدة والتي تتضمن كل من مصممين للمفاعلات الحيوية الخاصة باللحوم المزروعة مخبريا، ومديرى خلايا جذعية للحوم المزروعة مخبريا، والرقابة على جودة اللحوم المزروعة مخبريا، وباحثين ومتخصين لتطوير منتجات جديدة من اللحوم المزروعة مخبريا.

ولاشك أن الفترة المقبلة تحتاج إلى الكثير من التطوير الذاتى لكل منا حتي يستطيع أن يواكب التغيرات العصرية والتكنولوجيا الحديثة في كافة المجالات والتخصصات الجديدة التى خلقتها التكنولوجيا، وسيكون الرابح من هذا السباق الزمني الجديد وهو من يبدأ بنفسه واكتشاف قدراته غير المستغلة حتى الآن ومعرفة ما كان يجهله عن نفسه.