غمض عينيك

غمض عينيك
07 / 02 / 2024

كتب : محمد الغباشي

“خذ الحكمة من الضرير فهو لايخطو بقدمه على الأرض حتى يستوثق من موضعه بعصاه ، وإن تعجب فعجب أن يتحول الكفيف بعيدا عن الحفرة حيث يسقط المبصر،ولأن نظر القلب أصدق من نظر العين،وصدق الله العظيم حينما قال في محكم التنزيل “فإنها لاتعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور”.
مما لاشك فيه أن حياة الظلام قاسية إذ ضعفت عين الجسد ، والظلمة التي يعيشها الكفيف ليست بالهينة ، فهي تترك الشخص خلف حجاب أسود سرمدي ، غير أنها تصبغه بالالتزام لدفعه إلى الأمام لتتشكل ديناميات الشخصية والتصميم والابتكار والتفكير الأحادي الإبداعي جراء مواقف أو مشاكل معقدة ليهتدي إلى فهم متعمق لما يحدث حوله وتتناغم روحه مع واقعه وتهدأ المخاوف.
عبارة أن الكفيف مكانه البيت وليس بين الناس تبرز حجم التحديات التي يواجهونها بشكل يومي في حياتهم ومدى النظرة المختلفة حيالهم والتي تفرق بينهم وبين الإنسان الطبيعي ،والطامة الكبرى تحدث بمجرد خروجهم من المنزل لقضاء مصالحهم واضطرارهم لطلب المساعدة من الأخرين في المواصلات أو عبور إشارة المرور ، حيث تنطلق بعض أفواه الناس بالعبارات الحادة والتنمر وإشعارهم بأنهم أقل حظا من غيرهم ، ما يضيف مزيدا من كسر الخواطر والمشاكل النفسية.
يحتفل المكفوفون حول العالم في الرابع من يناير من كل عام باليوم العالمي للغة برايل، لكونها وسيلتهم الرئيسية للمعرفة، وهو اليوم الذي أقرته منظمة الأمم المتحدة، لتعزيز الوعي بأهمية اللغة الخاصة بالمكفوفين، لتشجيعهم على القراءة والانخراط في المجتمع.
وتصنف مصر من أكثر الدول العربية الموجود على أرضها عدد من المكفوفين، إذ تقدر منظمة الصحة العالمية وجود ما يقرب من مليون شخص كفيف ، ونحو 3 ملايين مصابين بضعف البصر، وعلى مستوى الوطن العربي 8 ملايين كفيف والعالم 38 مليونا.
وتسعى مصر ـ عبر منظومتها الصحية الحكومية أو المجتمع المدني أو عبر المسئولية المجتمعية للشركات ـ للتعاطي مع الظاهرة ، وأبرزهم مشروع “بصيرة”، الذي ترعاه شركة “اتصالات من إي آند” تحت شعار “حوار في الظلام” ـ أحد مشروعات جمعية النور والأمل، فبعد إطلاقه في أكثر من 39 دولة حول العالم. الآن حوار في الظلام للمرة الأولى في مصر وأفريقيا.
ممر قصير مظلم ـ لايستغرق ثواني في عبوره للشخص الطبيعي إن كان مضيئا ـ يأخذك لمنحنى تعبر منه إلى حجر مصممة لتكون مظلمة بالكامل، إذا أخرج أحد منا يده لم يكد يراها، تضع يدك على الحائط لتحسس خطاك، تسمع أصوات العصافير وخرير الماء وتارة صرير إطارات سيارات وتشم رائحة بخور وروائح أخرى تميزها، تحديد الألوان أطلق له خيالك ، دليلك في الظلام شخص كفيف ، تشعر بالإطمئنان وأنت معه وهو قائدك ومرشدك ، ما أجمل أن تختبر مواقف من حياتك اليومية من منظور مختلف ، تجري حوارا في الظلام ، أنت تسأل ومرشدك الكفيف يجيب ، قل له كل ما يجول في خاطرك ، ماذا أفعل في هذا الموقف؟ كيف اتصرف؟ الصمت في هذا المقام خيانة، أنفاس المحيطين بك أمان، تجربة لإعادة استكشاف البيئات اليومية من خلال حواس اللمس والتذوق والشم والسمع.
معظمها غرف تم محاكتها على غرار مايعايشه الكفيف في حياته اليومية والتحديات اللاتي يواجهونها من لحظة خروجهم حتى عودتهم لمنازلهم، وأطلق لخيالك العنان في الظلام في استكشاف مالاتراه وتتعلم التنقل في الظلام بشكل مستقل ، من خلال الاستعانة بعصا بيضاء وبمساعدة مرشد كفيف أو ضعيف البصر.
وقد التقيت في تجربتي الشخصية ـ لعبور الممر الذي استغرق قرابة ساعة من الزمن ـ بمجموعة من المكفوفين ممن يديرون المشروع بجمعية النور و الأمل، حيث طالبوا بمزيد من الاهتمام على كافة الأصعدة وأن يصحح الشارع والمجتمع نظرته في التعاطي معهم فهم من أصحاب الهمم المبدعين في مجالات متنوعة كالفن والأدب وكذلك تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
واختتم بما سطره الرائع صلاح جاهين في رباعياته الشهيرة “غمض عينيك وامش بخفة ودلع ، الدنيا هي الشابة وأنت الجدع تشوف رشاقة خطوتك تعبـدك لكن انت لو بصيت لرجليك تـقع” وعجبي

شارك الخبر

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة