إطعام الطعام….استراتيجية مستدامة للقضاء على الجوع عالميا

إطعام الطعام….استراتيجية مستدامة للقضاء على الجوع عالميا

“إن المجاعة وصمة عار في ضميرنا الجماعي ،فملايين الأفراد معرضون للخطر ، وملايين آخرون سيموتون إذا لم نتخذ إجراءات سريعة وحاسمة”.

بتلك العبارة استهل رئيس مجموعة البنك الدولي جيم يونغ كيم حديثه مؤخرا ،حينما كان يتحدث عن المستويات المدمرة لانعدام الأمن الغذائي في أفريقيا جنوب الصحراء واليمن.

وجاء “القضاء التام على الجوع” في المرتبة الثانية من أهداف التنمية المستدامة الـ17 لاستراتيجية عام 2030 ،التي اعتمدها قادة العالم في قمة أممية تاريخية.

وتعني المجاعة ـ وفقا لتعريف البنك الدولي ـ أن جزءا كبيرا من السكان لا يتاح لهم الحصول على احتياجاتهم الأساسية من الغذاء، ويعانون من سوء تغذية حاد، وأن الموت جوعا وصل إلى مستويات غير مسبوقة. ويتأثَّر الأطفال دون سن الخامسة بهذه الأزمة أكثر من غيرهم. وقد تُؤثِّر المجاعة على رفاهة جيل بأكمله. وأُعلِنت حالة المجاعة رسميا في 20 فبراير الماضي في دولة جنوب السودان، حيث تُؤثِّر على ما يقرب من مائة ألف شخص، وهناك خطر حقيقي لاحتمال حدوث حالات مجاعة أخرى في اليمن وشمال شرق نيجيريا وبلدان أخرى.

وتؤدي الصراعات المحتدمة والاضطرابات الأمنية إلى تفاقم انعدام الأمن الغذائي لملايين من الناس في أنحاء المنطقة، وقد تفشَّت بالفعل حالات النزوح القسري والتشرد وغيرها من التداعيات والآثار العابرة للحدود. وعلى سبيل المثال، يؤدي انعدام الأمن الغذائي في الصومال والمجاعة في جنوب السودان إلى زيادة تدفق اللاجئين على إثيوبيا وأوغندا.

وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن نحو 20 مليون شخص في نيجيريا وجنوب السودان والصومال واليمن أصبحوا على “حافة السقوط في هاوية المجاعة”. وامتدت ظروف القحط والجفاف أيضا إلى أٌوغندا وأجزاء من تنزانيا. وأُعلنت حالة المجاعة السابقة في عام 2011 في الصومال التي مات خلالها 260 ألف شخص.

وآن الآوان لإعادة التفكير في كيفية تنمية الغذاء ومشاطرته واستهلاكه، حيث إذا تم ذلك بطريقة صحيحة، يمكن للمزارع والغابات ومصائد الأسماك أن توفر طعاما مغذيا للجميع، وأن تولد مصادر دخل لائقة ، وأن تدعم في الوقت نفسه تنمية ريفية ترتكز على الناس، وتحمي البيئة.

وقال رئيس البنك الدولي “إننا في مجموعة البنك الدولي نتضامن مع السكان المهددين بالمجاعة الآن ، ونعمل على حشد استجابة فورية من أجل إثيوبيا وكينيا ونيجيريا والصومال وجنوب السودان واليمن. وشاغلنا الأول هو العمل مع شركائنا لنتأكد من حصول الأسر على الغذاء والماء ، كما نعمل على تعبئة حزمة تمويل تزيد قيمتها على 1.6 مليار دولار لبناء نظم الحماية الاجتماعية، وتقوية قدرات المجتمعات المحلية على مجابهة الأزمات، ومواصلة تقديم الخدمات للفئات الأكثر احتياجا. ويشتمل هذا على عمليات قائمة تزيد قيمتها على 870 مليون دولار ستساعد المجتمعات المحلية المُهدَّدة بالمجاعة. وإنَّني أعمل مع مجلس المديرين التنفيذيين للبنك الدولي أيضا للحصول على الموافقة على عمليات جديدة تبلغ قيمتها 770 مليون دولار، ويأتي معظم تمويلها من خلال نافذة المؤسسة الدولية للتنمية للتصدِّي للأزمات”.

وتساعد مجموعة البنك الدولي في تلبية الاحتياجات الفورية لمواجهة المجاعة الحالية، لكننا ندرك أن المجاعة ستكون لها آثار دائمة على صحة السكان، وقدرتهم على التعلُّم، وكسْب الرزق. ولذلك، سنستمر أيضا في العمل مع المجتمعات المحلية لاستعادة معايشهم وسبلهم لكسْب الرزق، وبناء قدراتهم على مجابهة الصدمات في المستقبل.

وتقوم بالتنسيق الوثيق مع الأمم المتحدة وشركاء آخرين في كل مجالات استجابتنا. وإننا نعلم أن حل هذه الأزمة الحادة لن يكون ممكنا إلا إذا تضافرت جهود كل الأطراف الفاعلة في مجالات العمل الإنساني والتنمية. ونحث المجتمع الدولي على الاستجابة السريعة والحاسمة للنداء العالمي الذي وجَّهته الأمم المتحدة لتعبئة موارد من أجل مجابهة المجاعة.

وللحيلولة دون وقوع أزمات في المستقبل، يجب الاستثمار في معالجة الأسباب والعوامل الجذرية للهشاشة والضعف اليوم، ومساعدة البلدان على بناء قدرات مؤسسية ومجتمعية لمجابهة الأزمات والصدمات.

وثمة حاجة إلى تغيير عميق في نظام الأغذية والزراعة العالمي، إذا ما أردنا تغذية 805 ملايين جائع حول العالم اليوم، ويعادل ذلك قرابة واحد من بين تسعة أشخاص، وبالإضافة إلى مليار شخص آخرين متوقعين بحلول عام 2050، إذا لم يتم محاربة الجوع، كما أن يقدم قطاع الأغذية والزراعة حلولًا رئيسية للتنمية، ويعد قطاعًا مركزيًا في القضاء على الفقر والجوع.

وتعيش الغالبية العظمى من الجوعى في العالم بالبلدان النامية، حيث توجد نسبة 13,5% من السكان يعانون من نقص التغذية، وتعتبر آسيا القارة التي تضم معظم الجوعى، حيث يشكلون ثلثي مجموع الجوعى، وانخفضت النسبة المئوية في جنوب آسيا خلال السنوات الأخيرة، بيد أنها زادت قليلا في غرب آسيا.

وتندرج أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، ضمن المناطق التي تنتشر بها الجوع، كما أنه يعاني واحد من كل أربعة أشخاص في تلك المنطقة من نقص التغذية، ويقضي سوء التغذية إلى حوالي النصف بنسبة 45% من حالات وفيات الأطفال دون سن الخامسة، أي 3,1 مليون طفل سنويًا.

ويعاني طفل واحد من كل أربعة أطفال في العالم من توقف النمو، وفي البلدان النامية قد يرتفع المعدل إلى واحد من بين ثلاثة أطفال، ويحضر 66 مليون طفل من سن المرحلة الابتدائية الدراسة وهم جوعى في شتى أرجاء العالم النامي، منهم 23 مليون طفل في أفريقيا وحدها.

وتعتبر الزراعة هي القطاع الأكبر توفيرًا للوظائف في العالم، حيث توفر سبل العيش لنسبة 40% من سكان العالم اليوم، وهي أكبر مصدر للدخل وفرص العمل للأسر الريفية الفقيرة.

وتوفر 500 مليون مزرعة صغيرة في جميع أنحاء العالم، يعتمد معظمها حتى الآن على الأمطار، ما يصل إلى 80% من الغذاء المستهلك في جزء كبير من العالم النامي، والاستثمار في أصحاب الحيازات الصغيرة من النساء والرجال هو طريقة هامة لزيادة الأمن الغذائي والتغذية للأشد فقرًا، فضلًا عن زيادة الإنتاج الغذائي للأسواق المحلية والعالمية.

ومنذ بداية القرن العشرين، خسرت حقول المزارعين نحو 75% من تنوع المحاصيل، ويمكن للإستخدام الأفضل للتنوع الزراعي، وأن يساهم في وجبات مغذية أكثر، وفي تحسين معيشة المجتمعات الزراعية وفي توفير أنظمة زراعية أكثر مرونة واستدامة.

ولو تحصل المزارعات على الموارد التي يحصل عليه المزارعون لقل عدد الجوعى في العالم بمقدار يصل إلى 150 مليون شخص، ولا يحصل 1,3 مليار شخص في أنحاء العالم على الكهرباء، حيث يعيش أغلب أولئك في المناطق الريفية من العالم النامي، حيث أن الفقر في مجال الطاقة يشكل في عديد المناطق عائقًا رئيسيًا أمام خفض الجوع وكفالة إنتاج العالم ما يكفي من الغذاء للوفاء بمتطلبات المستقبل.

وتهدف التنمية المستدامة للقضاء على الجوع من خلال، ضمان حصول الجميع على متطلبات الغذاء، ولا سيما الفقراء والفئات الضعيفة، بمن فيهم الرضع، على ما يكفيهم من الغذاء المأمون والمغذي طوال العام بحلول عام 2030.

كما تم وضع نهاية لجميع أشكال سوء التغذية، بحلول عام 2030، بما في ذلك تحقيق الأهداف المتفق عليها دوليًا بشأن توقف النمو والهزال لدى الأطفال دون سن الخامسة، ومعالجة الاحتياجات التغذوية للمراهقات والنساء الحوامل والمرضعات وكبار السن بحلول عام 2025.

وتشمل أيضا سرعة التحرك لمضاعفة الإنتاجية الزراعية ودخل صغار منتجي الأغذية، ولا سيما النساء وأفراد الشعوب الأصلية والمزارعين الأسريين والرعاة والصيادين، بما في ذلك من خلال ضمان المساواة في حصولهم على الأراضي وعلى موارد الإنتاج الأخرى والمدخلات والمعارف والخدمات المالية وإمكانية وصولهم إلى الأسواق وحصولهم على الفرص لتحقيق قيمة مضافة وحصولهم على فرص عمل غير زراعية، بحلول عام 2030.

ومن أهم ما يتم العمل عليه للقضاء على الجوع زيادة الاستثمار، بما في ذلك عن طريق التعاون الدولي المعزز، في البنى التحتية الريفية، وفي البحوث الزراعية وخدمات الإرشاد الزراعي، وفي تطوير التكنولوجيا وبنوك الجينات الحيوانية والنباتية من أجل تعزيز القدرة الإنتاجية الزراعية في البلدان النامية، ولا سيما في أقل البلدان نموًا.

وبجانب منع القيود المفروضة على التجارة وتصحيح التشوهات في الأسواق الزراعية العالمية، بما في ذلك عن طريق الإلغاء الموازي لجميع أشكال إعانات الصادرات الزراعية، وجميع تدابير التصدير ذات الأثر المماثل، واعتماد تدابير لضمان سلامة أداء أسواق السلع الأساسية ومشتقاتها وتيسير الحصول على المعلومات عن الأسواق في الوقت المناسب، بما في ذلك عن الاحتياطيات من الأغذية، وذلك للمساعدة على الحد من شدة تقلب أسعارها.

شارك الخبر

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة