“مواجهة التحرش”..مهمة شاقة يتعاون الجميع لإنجازها حفاظا على مكانة المرأة

“مواجهة التحرش”..مهمة شاقة يتعاون الجميع لإنجازها حفاظا على مكانة المرأة

 

شريف شوقي

شهد المجتمع المصري في السنوات الأخيرة إطلاق العديد من المبادرات والحملات التي تستهدف مواجهة ظاهرة التحرش الجنسي التي بدأت تتزايد بمعدلات ملحوظة في الشارع المصري، وهو ما دفع الجميع سواء على المستوى الأكاديمي أو الرسمي أو الشبابي لأخذ زمام المبادرة ومحاولة البحث عن حلول للقضاء على هذه الظاهرة التي تضر بالمجتمع ككل وليس الفتيات التي يتم التعرض لهن فقط، ورغم حساسية موضوع الحرش ورفض أغلب النساء للحديث عنه، إلا أن كل هذه التحركات والمبادرات حققت نجاحات كبيرة بفضل وعي المرأة المصرية وإدراكها بخطورة جريمة التحرش.

ودفعت جريمة التحرش الجنسي الجميع إلى الوقوف كالبنيان المرصوص لمواجهتها، حيث نرى هناك تعاونا قويا بين المجلس القومي للمرأة، وزارة التعليم العالي، وزارة التربية والتعليم ووزارة الداخلية للقضاء على هذه الظاهرة، فضلا عن افتتاح وحدات لمكافحة التحرش الجنسي في جامعة القاهرة وعين شمس وأسيوط، وكذلك تم تنظيم ورش عمل وندوات في المدارس الابتدائية والإعدادية والثانوية لنبذ العنف ضد المرأة.

وتقوم المبادرات بتوفير دعم قانوني وتقديم استشارات لأي فتاة تتعرض للتحرش وأيضا التدخل السريع وتأهيل الفتاة للعلاج النفسي إذا تطلب الأمر مع التوضيح للفتاة الخطوات التي يجب اتباعها إذا تعرضت لواقعة التحرش وتقديم دعم نفسي وقانوني وتربوي للناجيات من التحرش أو الاغتصاب.

وقالت الدكتورة مها السعيد الأستاذة بكلية الآداب جامعة القاهرة ومديرة وحدة “مناهضة التحرش” و”العنف ضد المرأة” بالجامعة إن التحرش الجنسي ظاهرة عالمية تشكل خرقا لحق الفرد في الأمن والأمان.

وأضافت السعيد، في تصريح خاص لبوابة “سي إس آر”،  أنه حتى وقت قريب اعتبر الكثيرون في المجتمع المصري التحرش موضوعا حساسا لا يصح الكلام عنه مما دفع العديد من ضحايا هذه الظاهرة للسكوت خشية اللوم أو وصمة المجتمع، ولكن بدأ الصمت المحيط بموضوع التحرش في الانحسار نتيجة لتمكين العديد من النساء في المجتمع ما جعل من آفة التحرش موضوعا للحوار والنقاش المجتمعي.

كما أصدرت الحكومة قانونا يجرم التحرش الجنسي، وذلك استجابة لمطالب مؤسسات المجتمع المدني المتمثلة في مجموعات تهدف إلى مجابهة التحرش.

وأكدت أنه نظرا لالتزام جامعة القاهرة بتوفير بيئة تعليمية يحظى فيها الطلاب والطالبات بالتقدير والاحترام والمساواة في الحقوق والواجبات واتساقا مع اتجاهات المشرع المصري للتصدي لهذا الوباء الذي ينخر في جذور العلاقات الإنسانية بين أبناء الوطن الواحد أنشأت جامعة القاهرة أول وحدة لمناهضة التحرش والعنف ضد المرأة على مستوى الجامعات المصرية عام 2014  في بادرة تعد الأولى من نوعها.

وبدأت الوحدة مباشرة في تفعيل التدابير اللازمة للوقاية والتوعية ونشر ثقافة الاحترام والمساواة وكذلك إنشاء آلية لمناهضة التحرش واتخاذ الإجراءات المناسبة لمساعدة المضار، وقد حققت هذه التجربة نجاحآ كبيرآ، فيما يخص زيادة الوعي وتطبيق إجراءات لمناهضة التحرش والعنف ضد المرأة  بالجامعة.

وتشرف على وحدة مناهضة التحرش والعنف ضد المرأة لجنة عليا تختص بوضع السياسات وأخرى تنفيذية تشرف على تنفيذ السياسات بالتنسيق مع ممثلين عن اللجنة التنفيذية بكليات الجامعة المختلفة ممن تلقوا تدريبا نفسيا وقانونيا للتعامل مع الشكاوى الخاصة بالتحرش في المجتمع الجامعي.

كما تم في أواخر العام الماضي افتتاح ورشة عمل حول “تطبيق سياسة لمناهضة التحرش والعنف ضد المرأة بالجامعات المصرية” ، وذلك في إطار فعاليات احتفالية جامعة القاهرة باليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة، حيث أقيمت ورشة العمل بالتعاون بين “وحدة مناهضة التحرش” و”العنف ضد المرأة” بالجامعة ومؤسسة “خريطة التحرش” تهدف إلى تبادل الخبرات ومناقشة الفرص والتحديات الخاصة بتطبيق تجربة جامعة القاهرة ونقلها للجامعات الأخرى.

وشارك في ورشة العمل ممثلون لعشر جامعات مصرية حكومية وبعض الجامعات الخاصة إلى جانب أساتذة بجامعة القاهرة ممن شاركوا في تأسيس ووضع خطط “وحدة مناهضة التحرش” و”العنف ضد المرأة بالجامعة”.

ومن جانبها، أوضحت الدكتورة ريم وائل المدير التنفيذي بمؤسسة “خريطة تحرش” أن المؤسسة تطوعية تأسست في مصر أواخر عام  2010 وهي مؤسسة قائمة على التطوع هدفها إشراك كل فئات المجتمع لخلق بيئة رافضة للتحرش الجنسي في المجال العام والمؤسسات المختلفة.

وقالت الدكتورة ريم “نحن نؤمن بأننا كأفراد بإمكاننا إحداث تأثير كبير في مجتمعنا من خلال تنظيم أنفسنا والعمل معًا لمعالجة القضايا التي تهمنا ونحن علينا جميعًا اتخاذ إجراءات وخطوات تساعد على إنهاء التحرّش الجنسي باستخدام وسائل مختلفة أبرزها البلاغ عن أي حادثة تحرش حتى نتمكن من استخدام التقارير لإقناع الجميع بمناهضة التحرش الجنسي”.

وأضافت أنه خلال العام الماضي، دعمت “خريطة التحرش” فكرة نقل تجربة وحدة جامعة القاهرة للجامعات الأخرى، فيما نظمت المؤسسة بالتعاون مع الدكتورة مها السعيد مديرة “وحدة مناهضة التحرش” ورشة عمل حول “تطبيق سياسة لمناهضة التحرش والعنف ضد المرأة بالجامعات المصرية”.

وحثت “خريطة التحرش” الجامعات المصرية على تحمل المسئولية تجاه تطبيق سياسة فعالة لمكافحة التحرش والاعتداء الجنسي داخل حرم الجامعة على غرار ما تم تطبيقه في جامعة القاهرة بهدف القضاء على هذه الجريمة وخلق مجتمع أكاديمي يحترم الجميع ويرفض جريمة التحرش الجنسي.

كما قامت “خريطة التحرش” بتقديم الدعم الفني والمشورة لعدد من الجامعات المصرية لمساعدتهم في تفعيل وحدات لمكافحة التحرش وتطبيق سياسة واضحة تضمن رفض جريمة التحرش داخل المجتمع الأكاديمي.

ومن جانبها، أكدت ناريمان محمود مقرر المجلس القومي للمرأة أن المجلس خصص خطوطًا للشكاوى في الأعياد والمناسبات العامة من أجل مواجهة ظاهرة التحرش المتكررة في الأعياد وكذلك تخصيص غرف عمليات لتلقي الشكاوى والتدخل السريع وتقديم الاستشارات القانونية والدعم الاجتماعي.

وقالت ناريمان محمود إن المجلس القومي للمرأة قام بافتتاح وحدات لمكافحة التحرش الجنسي بالعديد من الجامعات من بينها جامعة أسيوط.

وأكدت أهمية التعاون المتواصل مع وحدة مكافحة العنف ضد المرأة بوزارة الداخلية، لافتةً إلى قيام المحامين بمكتب شكاوى المرأة بالنزول الميداني ومرافقة قوات الشرطة خلال الحملات الأمنية لضبط وقائع التحرش، مضيفة أن مكتب الشكاوى يقدم المساندة الاجتماعية والقانونية للسيدات والفتيات في حالة رفع دعاوى قضائية.

وأضافت أن المجلس القومي للمرأة قام بتنظيم مجموعة من ورش العمل بالتعاون مع مديريات التربية والتعليم بالمحافظات للتوعية القانونية بمناهضة العنف ضد المرأة، وقد بدأت أولى الورش في 9 مدارس في المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية بمحافظات الصعيد والهدف من الورش هو تعزيز النوع الاجتماعي وأفكار المساواة بين الجنسين في نفوس الطلاب لنبذ فكرة العنف ضد المرأة خاصة بعد تلقي المجلس عددا كبيرا من شكاوى التحرش في عدد من المدارس.

ومن جانبها، أكدت الناشطة هادية عبد الفتاح أحد مؤسسي مبادرة  “صرخة” للتوعية ضد التحرش أن المبادرة تطوعية لتقديم شتى أنواع الدعم للنساء والأسر، خاصة بعد ارتفاع حالات التحرش والاغتصاب في المجتمع المصري.

وقالت إن المبادرة قائمة على مجموعة متطوعين وتهدف إلى محاولة تغيير النظرة المجتمعية وإصلاح ما أفسدته عن طريق الحكي والإفصاح، وتقديم دعم نفسي وقانوني وتربوي للناجيات والناجين من التحرش والاغتصاب سواء امرأة أو فتاة أو طفل وطفلة.

وأوضحت أن المبادرة تضم مجموعة من المتطوعين والمتطوعات ومن أهدافها التعريف بأشكال وأنواع التحرش وكيفية التصرف ومواجهتها و تقديم التوعية اللازمة للأسر والأمهات والفتيات والأطفال بكيفية حماية أجسادهم والتعامل مع الضحية والمطالبة بتغليظ عقوبة التحرش ووضع قانون يحمي المرأة والفتاة والأطفال بالشكل الذي يكفله الدستور خاصة مع عدم وجود تشريعات تحمي المرأة من العنف الأسري و زيادة حالات التحرش في العمل و الشارع لنساء من طبقات مختلفة و من مختلف الأعمار.

وأشارت إلى أن “صرخة” تهدف إلى المساهمة المجتمعية لترسيخ مبدأ الحكي والإفصاح عن جريمة التحرش بدءا من الشارع حتى المنزل وخلق بيئة آمنة لضحايا التحرش للحكي والفضفضة في سرية تامة وبوجود متخصصين ومتخصصات.

ومن جانبها، قالت داليا فكري أحد مؤسسي مبادرة “صرخة” إن المبادرة جاءت كرد فعل إيجابي لدعم أصحاب القصص التي وردت على هاشتاج “أول محاولة تحرش كان عمري” والذي أثار جدلًا واسعًا على موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك” خلال الأيام الماضية.

وأوضحت أن المبادرة تهدف إلى تقديم الدعم النفسي الكامل للفتيات اللاتي تعرضن للتحرش إضافة إلى جلسات التوعية القانونية بالخطوات الواجب اتباعها للإبلاغ عن حالة التحرش وجلسات التوعية الاجتماعية بخطورة هذه الظاهرة وأسبابها وعواقبها.

كما تسعى المبادرة لتنفيذ  جلسات حكي مغلقة للفتيات  بحيث تستطيع الفتيات من خلال هذه الجلسات التنفيس عن معاناتها النفسية عن طريق الكلام مع الحفاظ على السرية التامة للبنت بحيث تقوم كل فتاه بسرد تجربتها الخاصة لتأهيلها للعلاج النفسي إذا طلب الأمر  وقد انضم للحملة عدد من المتطوعين والمتطوعات في الجانب النفسي والقانوني والإرشادي.

وقالت نهلة عزيز مديرة المشروعات بحركة “بصمة لمناهضة التحرش الجنسي” إن ظاهرة التحرش أصبحت ظاهرة مبالغ فيها للغاية خلال السنوات الماضية وخصوصًا في المواسم والأعياد وغيرها وهو ما يحتاج إلى تدخلات عاجلة من جانب كافة وسائل الإعلام  للتنبيه بخطورة الظاهرة كما تستدعي الظاهرة توجيه وزارة الأوقاف أئمة المساجد لانتقاد تلك الظاهرة والتنبيه على أنها بعيدة تمامًا عن الدين والأخلاق ولا تعبر أبدًا عن أخلاقيات المجتمع المصري على الإطلاق.

وأضافت أن شباب الحركة ظلوا شهورا يبحثون عن فكرة تساعد على التقليل من حالات التحرش الجنسي خاصة في المواصلات العامة، حتى وقع الاختيار على وسائل المواصلات خاصة المترو، وتمثلت الفكرة في سلسلة من القصص المصورة “كوميكس” التي تظهر معاناة أي فتاة مع كل صباح جديد وهى تختار ملابسها، لتكون أكثر احتشاما، حتى لا تتعرض لأي مضايقات جنسية، وتمنع كلام المجتمع عن أن ملابسها قد تكون سببا في التحرش الجنسي.

وأشار إلى أن هناك دراسة أجراها المركز المصري لحقوق المرأة أظهرت أن 72% من الفتيات المحجبات يتعرضن للتحرش الجنسي.

وقالت فتيات مشاركات في الاستطلاع “نتعرض للتحرش رغم الحجاب والنقاب، وهذا لم يحل مشكلة التحرش الجنسي”.

كما يتناول “الكوميكس” تأثير التحرش ليس فقط على الفتيات اللاتي يتعرضن له ولكن أيضا على من يقوم به أو من يشاهده دون تدخل لحماية الفتيات، حيث يتعرض المجتمع بأكمله للأذى وليس الفتيات اللاتي يتعرضن للتحرش الجنسي فقط.

وأكدت أن الحملة تستهدف المواطنين السلبيين لحثهم على ضرورة التدخل في حال وقوع أي حالة تحرش أمام أعينهم.

وأضافت أنه مما يلفت النظر هو أنه حتى الآن لم يتم تنفيذ أحكام رادعة ضد أي متحرش مما يعطي انطباعاً بالرضوخ العام للظاهرة، ولا شك أن السبب وراء تفشي الظاهرة هو انحدار مستوى الأخلاق العامة وتقبل المجتمع للظاهرة متعللين بلبس الفتيات رغم أن هناك سيدات منتقبات تعرضن للتحرش فالظاهرة لا ترتبط بملابس الفتاة.

ومن جانبها، قالت هالة مصطفى المنسق العام لمبادرة “شفت تحرش” إن المبادرة بدأت في أكتوبر 2012 وتهتم بالعمل على مكافحة جريمة التحرش عن تطريق التوعية والرصد والتوثيق.

وأضافت أن ما يحدث من تحرش باختصار ليس ظاهرة لكنه جريمة ترتكب بشكل يومي، مشيرة إلى التقرير الأخير لجهاز التعبئة والإحصاء الذي كشف عن أن مصر تتكلف سنويا 2 مليار و800 مليون تكلفة العنف ضد النساء في مصر الذي يعد التحرش أحد أشكاله.

كما كشف مسح أجراه المجلس الدولي للسكان بمصر عن ارتفاع نسبة التعرض للتحرش الجنسي للفتيات الصغيرات في الفئة العمرية من 13 إلى 17 عامًا من 46.4% عام 2009 إلى 49.5% في 2014، فيما انخفضت نسبة الفتيات اللاتي تعرضن للتحرش في الفئة العمرية من 13 إلى 29 عامًا من 49.7% عام 2009 إلى 42.6% 2014.

وأشارت إلى أنه مما يلفت النظر هو هاشتاج “أول محاولة تحرش كان عمري” الذ انتشر بشكل كبير ليكشف حقائق مفزعة وهى أن هناك حالات تعرضت للتحرش في سن الرابعة أو الخمس سنوات والمؤسف هو أن هؤلاء الأطفال عندما حاولوا إبلاغ أمهاتهم بهذا الأمر تمت معاقبتهم بدلاً من معاقبة المتحرش.

وأكدت ضرورة إصدار تشريعات عاجلة من جانب مجلس النواب للتصدي لجريمة التحرش الجنسي التي أصبحت وباءً في المجتمع، وكذلك تغليظ العقوبات على مرتكبي تلك الجريمة لأن القوانين غير رادعة و يشوبها عوار شديد.

شارك الخبر

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة